رئيس جمعية ضحايا تَازْمَامَّارْتْ لـ«جسور بوست»: وضعيتنا مزرية ونطالب بالمعاش

قضوا 18 سنة في معتقل "تازمامارت"

رئيس جمعية ضحايا تَازْمَامَّارْتْ لـ«جسور بوست»: وضعيتنا مزرية ونطالب بالمعاش

حاوره: سامي جولال

تَازْمَامَّارْتْ، معتقل سري سابق رهيب يقع في الجنوب الشرقي لـ المغرب، فتح في 7 أغسطس 1973، في زمن ما يعرف بـ"سنوات الرصاص" بالمغرب، ووَصف معتقلون سابقون فيه زنازينه بـ"القبور"، وفيه قضى عسكريون مغاربة أدينوا بالتورط في محاولتي الانقلاب على الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، في سنتي 1971 (قصر الصخيرات)، و1972 (طائرة البوينغ الملكية)، 18 سنة في ظروف "قاسية"، بحسب شهادات بعضهم في مذكراتهم وتصريحاتهم الإعلامية، ومات ودفن نصفهم (28 منهم) هناك، قبل أن يفرج عن النصف الآخر في 15 سبتمبر 1991.

وفي وقت لاحق، جاءت هيئة الإنصاف والمصالحة، التي أنشأها الملك الحالي للمغرب، محمد السادس، في عام 2004، لتصفية ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، التي عرفها المغرب ما بين سنتي 1956 و1999، وكشف الحقيقة، وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات، وأصدرت الهيئة لفائدة ضحايا تازمامارت مقررات تحكيمية قاضية بالتعويض، وتجاوزت الكلفة المالية الإجمالية لجبر الأضرار 164 مليون درهم مغربي (نحو 17 مليون دولار أمريكي)، بالإضافة إلى التغطية الصحية، والتكفل الطبي، بحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب (مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة تُعنى بحقوق الإنسان والحريات)، الذي أعلن قبل أيام أنه بدأ، يوم 4 سبتمبر الجاري، إجراء تحاليل الخبرة الجينية لدى المختبر الجيني الدولي، لتأكيد هويات متوفين بذلك المعتقل، وهو ما اعتبرته جمعية ضحايا "تازمامارت" خطوة تتعلق بملفها المطلبي ذي الصلة بالحقيقة والعدالة الانتقالية.

"جسور بوست" حاورت رئيس جمعية ضحايا "تازمامارت"، الرقيب السابق عبدالله أعقاو (77 عاماً)، الذي قضى 18 سنة من حياته في معتقل تازمامارت، بعدما أدين بالتورط في محاولة الانقلاب الثانية على الملك الحسن الثاني سنة 1972، التي حاول خلالها طيارون في سلاح الجو المغربي إسقاط طائرة الملك أثناء عودته من رحلة كان يقوم بها إلى فرنسا.

في البداية، علّق أعقاو على مستجد بدء المجلس الوطني لحقوق الإنسان إجراء تحاليل الخبرة الجينية لتأكيد هويات متوفين بمعتقل تازمامارت، قبل أن نعود معه بالزمن عشرات السنوات إلى الوراء، ليتحدث لنا بالتفاصيل عن هويات المعتقلين، الذين توفوا ودفنوا داخل ذلك المعتقل، وكيف كانت تتم عملية دفنهم، وعن مضامين الملف المطلبي لضحايا تازمامارت، وعلى رأسه التسوية المالية والإدارية والمعاش.

كما يتحدث أعقاو عن المعتقلين المفرج عنهم من تازمامارت، كم منهم مات، وكم منهم لا يزالون على قيد الحياة، وكيف هي أوضاعهم المعيشية اليوم، وعن تعويض جبر الضرر الذي قدمته لهم الدولة المغربية، ولم يُحْسِنُوا تدبيره، لأنهم فقدوا مفهوم المال في تازمامارت، ووجدوا بعد خروجهم منه مجتمعاً آخر غير ذلك الذي تركوه قبل اعتقالهم.

وإلى نص الحوار:

-نبدأ معك من أحدث مستجد في ملف ضحايا معتقل تازمامارت، وهو بدء المجلس الوطني لحقوق الإنسان إجراء تحاليل الخبرة الجينية، لتأكيد هويات متوفين بذلك المعتقل، ما أهمية هذه الخطوة بالنسبة لكم؟

هي خطوة تتعلق بعناصر الملف المطلبي ذي الصلة بالحقيقة والعدالة الانتقالية، لأن القبور بدون هوية الآن، والقوانين الدولية تنص على أنه في حالة إيجاد قبور مختفين، يجب أن يخضعوا إلى تحديد الهوية، لكي تتمكن عائلاتهم من زيارة القبور، وكذلك الدولة المغربية، بواسطة مجلسها الوطني لحقوق الإنسان، تريد أن تجعل من مركز تازمامارت نموذجاً لحفظ الذاكرة، نظراً لأهميته، ولما وقع فيه من فظاعات، وكذلك توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة تنص على ذلك (هيئة الإنصاف والمصالحة أنشأها الملك الحالي للمغرب، محمد السادس، في عام 2004، لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي عرفها المغرب من 1956 إلى 1999، وكشف الحقيقة، وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات).

-كم عدد المعتقلين، الذين توفوا ودفنوا داخل تازمامارت؟

توفي في المعتقل 28 عسكريّاً من الفوجين 71 و72، وهناك (أيضاً) اثنان مدفونان في المقبرة (مقبرة المعتقل)، مغربي، وإفريقي من جنوب الصحراء، كان واحداً من 16 إفريقيّاً من جنوب الصحراء، نحن لا نعرف من أية دولة جاؤوا بهم، ولكن كثر الحديث عن احتمال أن يكونوا من بلاد الزَّايِّيرْ (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليّاً)، وكذلك رجل (المغربي) كان يشغل مهمة في قصر من القصور، ووقع له حادث هناك، وأُتي به إلى تازمامارت.

-هذان المغربي والإفريقي من جنوب الصحراء، ماذا كانا يفعلان في تازمامارت؟

هذا هو السؤال، الملك الحسن الثاني كانت تربطه علاقات عسكرية بأصدقائه في إفريقيا جنوب الصحراء، كانت له تجربة عسكرية في زَايِّيرْ، يعني في خدمة القصور هناك، في خدمة رئيس الجمهورية، وكذلك هم (أولئك الـ16 إفريقيّاً من جنوب الصحراء) كانوا لا يتكلمون، ولم يقولوا إلا إنهم أُخذوا في طائرة من مدينة العيون (جنوب المغرب)، وأتوا بهم إلى تازمامارت لمدة 6 أشهر، ولكن كانوا يخضعون إلى النظام نفسه، الذي كان يخضع له أصدقائي (يقصد معتقلين في تازمامارت)، لأنهم كانوا (أولئك الـ16 إفريقيّاً) في العنبر رقم 2، أنا كنت في العنبر رقم 1، ولكن ما قاله لنا أصدقاؤنا (الذين كانوا معتقلين في العنبر رقم 2) إنهم جاؤوا (أولئك الـ16 إفريقيّاً) ليلبثوا في تازمامارت لمدة 6 أشهر، ومع مرور المدة المعينة، جاء الْكُولُونِيلْ (العقيد) فَضُّولْ ليأخذهم إلى وجهة غير معلومة، نحن عندما غادرنا تازمامارت، وبدأنا ندلي بشهاداتنا، تحدثنا عنهم، ولم يَرِدْ أي خبر عنهم، كنا ننتظر أن تكون هناك إجابة من مكان معين، ولكن لم يؤت لنا ذلك.

-يعني هم أيضاً كانوا معتقلين في تازمامارت؟

هم كانوا معتقلين في تازمامارت لمدة، في الزنازين نفسها التي كان يقطنها أصدقائي (يقصد العسكريين المغاربة، الذين كانوا معتقلين في العنبر رقم 2)، هم كانوا جيراناً لأصدقائي.

-وأحدهم توفي ودفن هناك؟

توفي واحد منهم، ودفن هناك، ولكن حسب الحراس جاء فَضُّولْ، وذهب بالجنازة، وذهب بالأحياء (أي الـ15 إفريقيّاً من جنوب الصحراء، الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة)، وبجنازة الميت، ولكن هذا كلام، هذا (صَمَتَ).

-كلام غير مؤكد؟

نعم، غير مؤكد.

-وبالنسبة للمغربي، ماذا كان يفعل في تازمامارت؛ هل كان معتقلاً، أم موظفاً، أم ماذا بالضبط؟

لا، كان معتقلاً، جيء به معتقلاً في تازمامارت، وتوفي في تازمامارت.

-لكنكم لا تعرفون لماذا أُتي به إلى تازمامارت؟

قيل لنا إنه كان في تجريدة يحرسون قصراً من القصور، ووقع له ما وقع، وأُتي به إلى تازمامارت.

-يعني ارتكب خطأً؟

نعم، ارتكب خطأً.

-كيف كانت تتم عملية الدفن داخل المعتقل، حتى يكون من الصعب اليوم التعرف على هويات المدفونين هناك؟

كانوا يُلفون في اللحاف، الذي كان لدينا في الزنزانة، وكانوا يدفنون بوسخهم، بأثمالهم الرثة، يعني أنه لا ماء (كانوا يزوَّدون بكميات قليلة من الماء) ولا نظافة في تازمامارت.

-(مقاطعاً) كانوا يدفنون في قبور فردية، أم جماعية؟

في حفرة فردية.

-وكانت أسماؤهم تُكتَب بجانب الحفرة، أم لا؟

نعم، هم قالوا لنا إنهم كانوا يضعون رقماً أو علامة في الحائط جانب الحفرة، وهذا ما يتحدثون عنه الآن حينما طالبنا بالتحليل الجيني “DNA”، هم ذهبوا إلى نبش القبور ونبش الحفر، وقالوا لنا إن هويتهم (المدفونين في المعتقل) قد عرفت، هذا كان في 2004 أو 2005، لم نحضُر، ولم تحضر العائلات (يقصد أن ضحايا المعتقل الأحياء وقتها، وعائلات المتوفين، لم يحضروا العملية)، لكن حينما نذهب في قوافل إلى تازمامارت، القبور مجهولة الهوية، اتضح بعد ذلك أن شيئاً ما حدث، أن علاماتٍ محيت من الحائط ولم يعثروا عليها وبقيت القبور، وعدلوا عن وضع هويات أصحابها، ونحن الآن نقول لهم إننا نحتاج إلى التحليل الجيني، وكانوا يُسَوِّفُون، ويعللون بالقول: "ماذا ستفعلون بالتحليل الجيني؟ المقبرة جماعية، وأية عائلة جاءت لتزور ذويها، فلتزر الجميع"، والآن خضعوا لطلبنا، نحن نعزي ذلك ربما إلى الضغوطات التي تمارس على الدولة المغربية، وهم يريدون أن يبينوا لمجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة)، وللمنتظم الدولي، أن المغرب يريد أن يخطو هذه الخطوة الهامة في ملف الذاكرة والحقيقة لسنوات الرصاص.

-لديكم ملف مطلبي تدعون الدولة إلى الاستجابة له، ما مضامينه؟

الملف المطلبي في شموليته هو أن ملف تازمامارت خضع إلى التهميش، عكس موظفي الدولة (يقصد المعتقلين المدنيين على خلفية سياسية، أو نقابية… الذين كانوا يعملون وقت اعتقالهم في قطاعات عمومية أخرى غير الجيش، وكانوا معتقلين في سجون أخرى غير تازمامارت)، توصية هيئة الإنصاف والمصالحة جاءت بقرار أن موظفي الدولة تُسوَّى وضعيتهم بالأثر الرجعي، هذا ما حدث في ملفات موظفي وزارة التربية الوطنية ووزارة العدل وجميع الموظفين، الذين كانوا في الإدارات العمومية المختلفة.

-(مقاطعاً) تقصدون الموظفين، الذين اعتُقلوا على خلفية سياسية؟

نعم، على خلفية سياسية أو نقابية أو مثل هذا.

جاء هذا (أي تسوية وضعية موظفي الدولة، الذين اعتقلوا على خلفية سياسية، أو نقابية.. بالأثر الرجعي) في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعززته رسالة عبدالرحمن اليوسفي، الوزير الأول (الأسبق)، التي بعث بها إلى الإدارات المختلفة، وإلى وزارة المالية، المشكلة في ملفنا نحن هو خصوصيته، هيئة الإنصاف والمصالحة لم يُستَجب لها من وزارة الدفاع، يعني القيادة العليا للجيش الملكي، بحكم أننا كنا نشتغل في الجندية، وبقيت الأمور أن الملك هو الذي سيعطي الضوء الأخضر، العسكر قالوا لهيئة الإنصاف والمصالحة “اتركونا نحن، وحاولوا أن تجدوا لهم بديلاً عنا”.

-بديلاً ليمنحكم تقاعداً (أي معاشاً)؟

نعم تقاعداً، تسوية إدارية ومالية.

هذا ما قاله لنا بنزكري (إدريس بنزكري، شخصية بارزة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب، ورئيس هيئة الإنصاف والمصالحة، وترأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في المغرب إلى غاية وفاته) إبان ولايته قبل أن يتوفى، ونحن نعلم.

-ماذا قال لكم بنزكري قبل أن يُتوفى؟

قال لنا بالحرف "نعلم أن القيادة العليا (للجيش) لن تستجيب لنا"، وكأنه كان يعرف، أو جاءه خبر من هنا أو هناك، وقال لنا بالحرف "سنجد بديلاً لمعاشكم"، لكن مع توالي رؤساء المجلس (اسمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان ابتداءً من عام 2011، وقبلها كان يسمى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) أيُّ رئيس يأتي يخبرنا أنه لدينا الحق في ما نطالب به، ويضرب لنا موعداً بعدها بأيام، وعندما نعود يقول لنا إن "مشكلتكم أنكم كنتم عساكر"، نقول لهم جدوا لنا بديلاً، وفي لقائنا يوم الجمعة (13 سبتمبر 2024) مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، رئيسته كانت غائبة، وموظفون (هناك) تحدثوا لنا عن الحمض النووي (تحاليل الخبرة الجينية)، وبقيت الأمور عالقة.

-عالقة بخصوص التقاعد؟

بخصوص التسوية الإدارية والمالية.

-يعني أساس ملفكم المطلبي هو التسوية المالية والإدارية، والحصول على تقاعد؟

نعم، أكيد.

-ما الجهات الرسمية التي رفعتم إليها ملفكم المطلبي، وكيف تفاعلت معكم؟

في البداية، بعد خروجنا من تازمامارت، كنا نبعث برسائل إلى الوزير الأول، إلى وزير العدل… ولكن أثناء إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، كانت هذه الهيئة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بعدها، هما الوجهة المخصصة لإيجاد الحلول.

-وتفاعَلَا معكم بالطريقة التي ذكرتموها؟

نعم.

-كم عدد المعتقلين الذين خرجوا أحياءً من تازمامارت، وكم منهم لا يزالون على قيد الحياة؟

مات نصفنا (داخل المعتقل)، وخرجنا 28، توفي الأسبوع الماضي رقم 11، ودفناه، 11 منا (من الـ28) توفوا إلى غاية الآن.

-وكيف هي الأوضاع المعيشية للأحياء اليوم؟

مزرية، إلا عدد قليل منا يعيشون في يسر، أما الأغلبية فقد كانوا فقراء، وجدوا عائلاتهم فقيرة، وأعطيك مثالاً؛ عَاشِرُنَا الذي توفي، رقم 10 (المتوفى رقم 10 من الـ28، الذين خرجوا من تازمامارت)، كان لديه "حَانُوتْ" (محل) يصلح فيه "الْكُوكُوطْ مِينِيتْ" (طناجر الضغط سريعة الطهي).

-تقصدون بوحيدة؟

أستاذ بوحيدة طبعاً (أحمد بوحيدة، رقيب سابق أدين بالتورط في المحاولة الانقلابية العسكرية الثانية عام 1972، واعتقل في تازمامارت). 

الْمَغُوتِي (يقصد الطيار السابق الْمْفَضّْلْ المغوتي، الذي أدين بالتورط في المحاولة الانقلابية العسكرية الثانية عام 1972، واعتقل في تازمامارت) كان في فراش الموت، وهَاتَفَ المرزوقي (يقصد الضابط السابق أحمد المرزوقي، الذي أدين بالتورط في المحاولة الانقلابية العسكرية الأولى عام 1971، واعتقل في تازمامارت)، وقال له إنه سيموت وفي جيبه 10 دراهم (دولار أمريكي)، يعني أعطيتك مثالاً، أغلبيتنا ذهبت الأموال، التي…

-(مقاطعاً) كيف ذلك والدولة المغربية عوضت ضحايا المعتقل الـ58، وتجاوزت الكلفة المالية الإجمالية لجبر الأضرار 164 مليون درهم، بحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟

نعم.

-يعني تلقيتم تعويضات كبيرة، ماذا فعلتم بها؟

نعم، عندما كان بنزكري على رأس هيئة الإنصاف والمصالحة، قال لهم بالحرف "هؤلاء سَتُعْطِيهم الأموال، سينفقونها، وستذهب الأموال سدىً"، وطرح عليهم فكرة؛ قال لهم "عوض أن نعطيهم الأموال، سنتركها لهم عند الـ CDG/ La Caisse de Dépot et de Gestion، صندوق الإيداع والتدبير، "ونتركها لهم (أي الأموال) كما في بنك، ويأخذون منها" (كلام بنزكري بحسب أعقاو)، ولقي معارضة في لجنة هيئة الإنصاف والمصالحة.

-لكن ما الفرق بين أن تأخذوا التعويض كاملاً، وأن يوضع في الـCDG، وتحصلوا عليه عبر دفعات؟

بنزكري كان معتقلاً سياسيّاً، قضى في السجن 15 سنة، وهو يعرف كيف يَخرُج المعتقل من السجن، وخاصة المختطفين الذين كانوا مجهولي المصير، في تازمامارت فقدنا مفهوم المال، خرجنا وجدنا مجتمعاً آخر لا قِبَلَ لنا به، كل شيء تغير، أنا كنت أعيش مطمئنّاً بالـ5000 درهم (500 دولار أمريكي)، التي كانت تأتينا من المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية.

-هل ذلك قبل إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة؟

نعم قبل هيئة الإنصاف والمصالحة (توضيح: ذلك المبلغ المالي -5000 درهم- كانوا يتلقونه شهريّاً منذ عام 1994، قبل إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة في عام 2004، ومنحهم التعويض لجبر الضرر، ثم إيقاف صرف تلك الـ5000 درهم بعدها بشهور).

وكنت أعيش، لا أقول لك في رفاهية، كنت أعيش، ولكن عندما أخذت ذلك المبلغ (التعويض لجبر الضرر)، وأُسقِطت الـ5000 درهم، لم تمر على حصولي على ذلك المبلغ (التعويض لجبر الضرر) 5 سنوات لأجد نفسي كل واحد منا وقعت له واقعة، سبب مأساتنا هو ذلك المبلغ الذي أخذناه، ولم نعرف كيف (لم يكمل الفكرة)، لأننا ليست لدينا دراية بالمجتمع، عائلتي تسببت لي في كثير من المشكلات.

-تقصدون لم تعرفوا كيف تدبرون المبلغ؟

وذلك المبلغ (التعويض لجبر الضرر) كل ما هنالك هو منزل، وزواج، هذا هو الذي بقي، تزوجنا منه، والمنزل الذي نعيش فيه، أما وسائل العيش، نحن نتدبر أمرنا يميناً وشمالاً، ولكن من حقنا ومن واجب الدولة المغربية، أن تعطينا حقوقنا كاملة غير منقوصة، وهي التسوية الإدارية والمالية، هذا حق من حقوق الضحايا، لأنه جاء في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وكذلك إعمال مبدأ الترضية، وهو في المواثيق الدولية، أنا كنت أبحث في كتاب لحقوق الإنسان، وجدت بنداً في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، يقول إنه في ظروف الاختفاء القسري، مثل قضية تازمامارت، نظراً لهول ذلك المعتقل سيئ الذكر، قضية كقضيتنا، على الدولة المغربية التكفل بنا حتى نموت، من حيث التطبيب، نحن ليس لدينا تطبيب.

-في ما يخص التطبيب، اشتكيتَ شخصيّاً في ندوة صحفية، من أنكم "لم تستفيدوا من حقكم في التأهيل الصحي والنفسي"، وقال المعتقل السابق في تازمامارت، أحمد المرزوقي، في الندوة نفسها، إنكم "استفدتم من تغطية صحية جزئية لا تفي أبداً بما تعيشونه"، وفي المقابل يؤكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنكم "تستفيدون من التغطية الصحية والتكفل الطبي، الذي يتابعه المجلس"، فكيف ذلك؟

نحن ليس لدينا تكفل طبي من المجلس، أنا شخصيّاً لم أتلق أيَّ شيء، بصفة عامة.

وبصفة عامة، وأنا أقول لك صادقاً إن جميع الإخوان، الذين توفوا (من الـ28، الذين خرجوا من تازمامارت)، أو جلهم، توفوا بسبب أمراض عضال لم تلق العلاج منذ خروجنا، عندما خرجنا حرمنا من العلاج، وخرجنا مرضى بأمراض متقدمة الخطورة، وتنكرت الدولة، أنا كنت أذهب إلى مستشفى الدولة، وعندما تقول لهم هذه الأمراض بسبب تازمامارت يذهب ويتركك، كأن فوق رأسه الطير، يعني لم نتلق علاجاً إلا الميسورين منا، أما الضعفاء فلم يتلقوا علاجاً مناسباً لتلك الأمراض، وعندما أعطتنا هيئة التعويض المستقلة (عندما أعطتهم التعويض لجبر الضرر)، أنا شخصيّاً خضعت لأربع عمليات بما يزيد على 30 مليون (يقصد 30 مليون سنتيم، وهي تعادل 300 ألف درهم مغربي/ 30 ألف دولار أمريكي) صرفتها على صحتي، حتى "كْنُوبْسْ" (الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي) أعطونا التغطية الصحية، يجب أن تؤدِّي (أولاً) قبل أن يُرجعوا إليك 60 أو 70% من ثمن العلاجات (التي دَفَعْتَهَا)، ولكن الجمعية الطبية (يقصد "الجمعية الطبية لضحايا العنف وسوء المعاملة") وجدنا فيها الكفيل، وجدنا فيها ما لم نجده عند الدولة، الدولة المغربية هي ليست فقط مسؤولة عن جريمة تازمامارت، ولكن هي بحرماننا من العلاجات المتقدمة كذلك، لأن أمراضنا متقدمة، وحرماننا من مصدر عيشنا، فهي تكرر الجريمة في حقنا، هذا ما نعتقده.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية